فصل: قال ملا حويش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



32 و{مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ}: مناسك الحج، أو يعظّم البدن المشعرة ويسمّنها ويكبّرها.
33 {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}: إلى أن تقلد أو تنحر.
34 {جَعَلْنا مَنْسَكًا}: حجا. وقيل: عيدا وذبائح.
{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}: المطمئنين بذكر اللّه.
35 {الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}: الوجل يكون عند خوف الزّيغ والتقصير في حقوقه، والطمأنينة عن ثلج اليقين وشرح الصّدور بمعرفته، فهما حالان، فلهذا جمع بينهما مع تضادّهما.
36 {وَالْبُدْنَ}: الإبل المبدّنة بالسّمن، بدّنت النّاقة: سمّنتها.
{مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ}: معالم دينه.
{صَوافَّ}: مصطفة معقولة، وصوافي: خالصة للّه.
{وصوافن}: معقّلة في قيامها بأزمّتها.
{وَجَبَتْ}: سقطت لنحرها.
{وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}: {الْقانِعَ} الذي ينتظر الهدية، {وَالْمُعْتَرَّ} من يأتيك سائلا،.....
وفي الحديث: لا تجوز شهادة القانع مع أهل البيت لهم، وهو كالتابع والخادم.
37 {لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها}: لن يتقبل اللّه اللّحم والدماء ولَكِن يتقبّل التقوى.
39 {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ}: أول آية في القتال.
40 {وَبِيَعٌ}: كنائس النّصارى، {وَصَلَواتٌ}: كنائس اليهود، وكانت صلوتا: فعرّبت. والمراد من ذلك في أيام شريعتهم.
وقيل: {وَصَلَواتٌ} مواضع صلوات المسلمين.
45 {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}: أي: أهلَكِنا البادية والحاضرة، فخلت القصور من أربابها والآبار من واردها.
والمشيد: المبنيّ بالشّيد.
46 {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}: لبيان أنّ محلّ العلم القلب، ولئلا يقال إنّ القلب يعنى به غير هذا العضو على قولهم: القلب لبّ كل شيء.
والهاء في {فَإِنَّها} للعماية، وهو الإضمار على شريطة التفسير.
51 {مُعاجِزِينَ}: طالبين للعجز كقوله: غالبته، أو مسابقين كأن المعاجز يجعل صاحبه في ناحية العجز منه كالمسابق.
52 {وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ}: الرسول الشّارع، والنّبيّ: الحافظ شريعة، غيره، والرسول يعمّ البشر والملك.
{إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أمنيته}: كلّ نبيّ يتمنى إيمان قومه فيلقي الشّيطان في أمنيته بما يوسوس إلى قومه ثم يحكم اللّه آياته، أو يوسوس إلى النبي بالخطرات المزعجة عند تباطئ القوم عن الإيمان، أو تأخر نصر اللّه. وإن حملت الأمنية على التلاوة فيكون الشّيطان الملقي فيها من شياطين الإنس، فإنّه كان من المشركين من يلغوا في القرآن، فينسخ اللّه ذلك فيبطله ويحكم آياته.
وما يروى في سبب النزول أنّه- عليه السّلام- وصل {وَمَناةَ الثَّالِثَةَ} الأخرى بـ: تلك الغرانقة الأولى، وإنّ شفاعتهن لترتجى.
ثبت لم يكن ثناء على أصنامهم إذ مخرج الكلام على زعمهم، كقولهم: {يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}، أي: نزل عليه الذكر على زعمه وعند من آمن به، ولو كان عند القائل لما كان عنده مجنونا.
55 {يَوْمٍ عَقِيمٍ}: شديد لا رحمة فيه، أو فرد لا يوم مثله.
68 {وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ}: أي: جادلوك مراء وتعنتا كما يفعله السفهاء فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول، وينبغي أن يتأدّب بهذا كلّ أحد.
73 {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ}: بإفساده لطعامهم وثمارهم.
76 {ما بَيْنَ أَيْدِيهِم}: أول أعمالهم، {وما خَلْفَهُمْ}: آخرها.
78 {مِلَّةَ أَبِيكُمْ}: أي: حرمة إبراهيم- عليه السلام- على المسلمين كحرمة الوالد على الولد، وإلّا فليس يرجع جميعهم إلى ولادة إبراهيم.
{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ}: بالطاعة والمعصية في تبليغه.
{وَتَكُونُوا شهداء عَلَى النَّاسِ}: بأعمالهم فيما بلّغتموهم من كتاب ربّهم وسنّة نبيهم. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الحج:
عدد 17- 103 – 52.
نزلت بمكة بعد سورة النّور.
وهي ثمان وسبعون آية وألف ومئتان وإحدى وسبعون كلمة وخمسة آلاف وخمس وسبعون حرفا.
ومنها الآيات من 52 إلى 55 نزلن بين مكة والمدينة ومثلها في عدد الآي سورة الرّحمن.
وتقدمت السّور المبدوءة بما بدئت فيه سورة النساء ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} واحذروا مخالفته {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} التي أمرها بيده {شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1) جدا ولا أعظم بمن وصفه اللّه بالعظمة.
ثم ذكر من أهوالها ما أوجب وصفها بالعظمة بقوله جل قوله: {يَوْمَ تَرَوْنَها}.
أي الزلزلة وهي حركة الأرض بشدة هائلة واضطرابها بقوة فظيعة، عند اذن اللّه تعالى بخراب الأرض وانقرأض هذا الكون، وحينذاك {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَا أرضعت} فتنساه كأنه ما كان لما يلحقها من الدّهشة المزعجة {وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها} من كبير الفزع وجليل الخوف على فرض وقوع هذه الزلزلة في الدّنيا فإن المرضعة المعلّق قلبها عند رضيعها تغفل عنه وتتركه بل تنساه ولا يخطر ببالها وإن الحاصل لعظيم ما ترى تسقط ما في بطنها وهي لا تشعر به قبل تمام مدته، وهو لا يسقط بذلك إلّا بأسباب باهظة وعمليات متعبة منهكة.
{وَتَرَى النَّاسَ} أيها النّاظر إليهم إذ ذاك إذا تأتي منك النّظر {سُكارى} بلا شراب حياري لهول ما يشاهدون من الخوف القاطع للقلوب {وما هم بِسُكارى} حقيقة، ولَكِنهم على هيئة وصورة الثمل الغافل الحائر مما يشاهد ما يحل به وبغيره في ذلك الموقف العظيم، إذ تتفتت فيه الأكباد، وترتعد فيه الفرائض، وتتلجلج فيه القلوب، فتبلغ الحناجر لأن ما هم قادمون عليه ليس بملك ظالم ولا سلطان غاشم يؤمل الخلاص منهما {وَلَكِن عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (2) لا مخلص منه، لذلك قد أرهقهم خوف لحوقة بهم وأذهب عقولهم رؤياه. فأفقدهم رشدهم، وأضاع تمييزهم، وأزال معرفتهم حالهم، وأشغل كلا بنفسه.

.مطلب في أهوال القيامية وكيفية الخلق وترتيبه وما قاله صاحب الجمل:

روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «يقول اللّه تعالى يوم القيامة يا آدم، فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك، فينادى بصوت إن اللّه يأمرك أن تخرج بعث النّار، قال يا رب وما بعث النّار؟ قال في كلّ الف تسعمائة وتسع وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، {وترى النّاس سكارى } الآية، فشق ذلك على النّاس حتى تغيرت وجوههم، قالوا يا رسول اللّه أينا ذلك الرّجل؟ فقال صلى الله عليه وسلم من يأجوج وماجوج تسعمائة وتسع وتسعون، ومنكم واحد، ثم أنتم في النّاس كالشعرة السّوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود» وفي رواية «كالرقمة في ذراع الحمار الرقمة معروفة وهي كالفلس في ذراع الحمار والبغل أيضا وإني لأرجو أن تكونوا رباع أهل الجنّة، فكبرنا، ثم قال ثلاث أهل الجنّة، فكبرنا، ثم قال شطر أهل الجنّة، فكبرنا».
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} لشدة جهله {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ} (3) متشيطن مضلّ عات في جداله.
واعلم أنه لا يوقف على مريد لأن ما بعده صفة له، ولذلك ينبغي للقارئ وصلها بما بعدها ولا يغتر بعلامة الوقف في المصاحف ويظن الوقف عليها لازم، لأن الوقف يكون على تمام المعنى، لأن كثيرا من الآيات يجب وصلها بما بعدها، أما علامات الوقف التي وضعها القراء على كلمات القران مثل م وط ج وغيرها فهي المعتبر مراعاتها، وعلى القارئ أن يتقيد بها فيعرف الواجب واللازم والجائز والممتنع، واتقن هذه الإشارات الموضوعة على الكلمات في المصاحف المصرية التي طبعها فؤاد الأوّل ملك مصر رحمه اللّه {كُتِبَ عَلَيْهِ} أي ذلك الشيطان {أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ} أي تبعه من النّاس فأطاعه انقيادا لوساوسه {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} عن الحق ويرمه في الباطل ويوقعه في دسائسه {وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ} (4) إذ ما بعد الحق إلّا الضّلال، ولا مرجع للضال إلّا جهنم المتسعرة بأهلها، كما لا مصير إلى المحق إلّا الجنّة النّاعمة بأهلها {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} بعد الموت، ولكم شكّ في الحياة الآخرة، وإنكم تستعظمون وجودها، {فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} راجع الآيتين 64 و67 من سورة المؤمن تجد تفصيل مراتب الخلق وعددها هناك.
واعلم أن العطف بثم في هذه الآية يفيد أن بين كلّ حالة وأخرى من البعد ما لا يخفى أما عطف ثم الأخير فهو لتباعد ما بين الخلقين كما يشير إليه قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ} راجع الآية 14 من سورة المؤمنين والآية 54 من سورة الرّوم تقف على ما تريده من هذا البحث.
{مُخَلَّقَةٍ} صفة للمضغة أي تامة لا نقصان فيها ولا عيب {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} أي قد تكون ناقصة معيبة في بعض الحواس والجوارح والتخطيط، راجع الآية 9 من سورة الرّعد المارة.
قال صاحب الجمل على الجلالين هذا تقسيم على سبيل التسمح فإن كلّ مضغة تكون أولا غير مخلقة ثم تصير مخلقة ولو جاء النظم هكذا ثم من نطفة غير مخلقة ثم من نطفة مخلقة لكان أوضح.
ثم قال وكان مقتضى الترتيب السّابق المبني على التدريج من المبادئ البعيدة على القريبة أي تقديم غير المخلقة على المخلقة.
وهذه جرأة عظيمة منه وهفوة كبيرة كما وقع مثل هذا وأعظم من الخطيب الشّربيني في تفسير الآية 65 من سورة يونس عفا اللّه عنهما وبصرنا بعيوبنا {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} أيها النّاس كمال قدرتنا وبالغ حكمتنا ولتعلموا أن من يقدر على هذا الخلق ابتداء يقدر على الاعادة لا محالة {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نشاء} من هذه النّطفة المخلقة فنبقيها فيه ونحفظها ونربتيها {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندنا فنسقط منها ما نشاء حسبما اقتضته حكمتنا قبل تمام خلقه ونبقي منها ما نريد بمقتضى أرادتنا ثم تقضي قدرتنا الأزلية با كماله وبعد تمام الأجل المقدر له من علمنا {نُخْرِجُكُمْ} من بطون أمهاتكم بواسطة وبغير واسطة {طِفْلًا} ولا تزالون برعايتنا حتى تشبّوا {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} من كمال العقل والقوة والتميز وأنتم بأعيننا {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} قبل ذلك {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وهو حالة الهرم والخوف، ومنكم من يعمر كثيرا وهو مالك لحواسه كافة، عالم ما علمه، كالأنبياء وبعض العلماء والعارفين، لأنهم لا يتناولهم النقص، أما غيرهم فقد يرجعون لحالة الطّفولة {لِكَيْلا يَعْلَمَ} شيئا {مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ} كان يعلمه قبل الكبر {شَيْئًا} أبدا لأنه ينساه ولا يخطر بباله حيث يفقد العقل والتمييز، راجع نظير هذه الآية الآية 71 من سورة النحل ونظيرتها الآية 68 من سورة يس تجد ما به الكفاية في هذا الشّأن.
وهذا دليل حسي على البعث بعد الموت، وفي الدّلائل الحسية أيضا {وَتَرَى الأرض هامِدَةً} ميتة يابسة لا شيء فيها ونظيرتها آية فصلت 40 خاشعة راجعها أي ذليلة وهما من حيث المعنى سواء {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ} بالنبات والأزهار {وَرَبَتْ} انتفخت وارتفعت لتغلغل الري فيها وخروج النّبات منها {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5) يسر الناظر حسنه واستواؤه وجماله راجع الآية 67 من سورة المؤمن تجد ما يتعلق بهذا البحث بصورة واضحة {ذلِكَ} الذي ذكر من كيفية بدء الخلق وإحياء الأرض والنّبات لتعلموا أيها النّاس {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} لا ريب فيه في ذاته وأفعاله وأوامره لا من غيره {وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (6) لا يعجزه شيء وإن إعادة من خلقه هي أهون عليه من خلقه ابتداعا {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (7) أحياء كما كانوا في الدّنيا قص اللّه في هذه الآية على أهل المدينة حالة النضر بن الحارث الذي كان يكثر الجدل بإنكار البعث ويقول إن الملائكة بنات اللّه وقد أنزل اللّه في مكة بحقه الآيات الكثيرة ليعلموا حال المنكرين أمثاله كأبي ابن خلف وأضرابه العريقين في الشّرك والمخاصمة، كما أنه جل شأنه قصّ حال أبي جهل واضرابه كعيقة بن معيط الّذين أنزل اللّه تعالى فيهم الآيات الكثيرة الحاكية بغضهم وعنادهم وكفرهم وعداوتهم لحضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم في مكة أيضا في هذه السّورة المدنية على شأنهم، فقال جل قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هدى وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ} (8) بل جهلا وضلالا وعتوا وعناد {ثانِيَ عِطْفِهِ} لاوي عنقه وجنبه عن حضرة الرّسول متبختر متكبر آنفا معرضا عن اللّه {لِيُضِلَّ} بعمله هذا النّاس {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وعن الإيمان وكتبه ورسله فمثل هذا الخبيث الصّادر عن ذلك {لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ} من أنواع الهوان والذل والمهانة والرّذالة، وقد قتل في بدر صبرا تحقيرا له {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ} (9) الذي لا تطيقه القوى البشرية ويقال له {ذلِكَ} الذي لا قيته من خزي الدّنيا وعذاب الآخرة أصابك {بِما قَدَّمَتْ يَداكَ} من تكذيب محمد والتكبر عن دينه والاستهزاء به واختيارك الشّرك على التوحيد وإنكارك هذا اليوم والحياة فيه.
وما وقع عليك من هذا ليس بظلم لك، بل جزاء عملك باختيارك واقترافك القبائح {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (10) بل يجازي المسيء بحسب إساءته ويكافيء المحسن بأحسن من إحسانه.
هذا، وما قاله بعض المفسرين من أن هذه الآيات نزلت في النّضر وأبي جهل أراد أن شبهها نزل فيها في مكة، وإن هذه الآيات نزلت في المدينة تبعا لسورتها حكاية عن تلك الآيات المكيات وقد تلاها حضرة الرّسول على أهل المدينة بيانا لحال أولئك الكفرة لا إنها نزلت فيها ثانيا، لأنهم قتلوا قبل نزولها، ولأن شيئا من القرآن لم ينزل مرتين كما ذكرناه غير مرة وأوضحناه في سورة الفاتحة ج 1، ولهذا قال بعضهم إنها مكيات.
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ} وطرف من الدّين لا في وسطه وقلبه، لأن الإيمان إذا لم يتغلغل في القلب ولم يذق صاحبه حلاوته ولم تخالط بشاشته الفؤاد كان دخوله فيه من غير عقيدة راسخة ولا رغبة كاملة ومحبة صادقة، وكان شاكا مترددا دخله على طريق التجربة {فَإِنْ أَصابَهُ} حال تلبسه فيه {خَيْرٌ} من سعة وصحة وولد وجاه {اطْمَانَّ بِهِ} بسبب الخير الذي رآه بدخوله فيه {وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ} من فقر أو مرض أو عقر أو حقارة {انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ} القهقرى وارتد كافرا تشاؤما منه، ولهذا جعل اللّه مثله مثل المتحيّر المضطرب، ومن كان هذا شأنه في الدّين {خَسِرَ الدُّنْيا} ففاته عزّها وكرامتها وأهين بالجلاء والأسر والسّبي والقتل أو بالجزية والمذلة {وَالآخرةَ} خسرها أيضا لأنه لم يعدّ لها شيئا من الأعمال الصّالحة والأقوال والنّيات الحسنة {ذلِكَ} خسران الدّارين {هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} (11) الذي لا يخفى على أحد لشدة ظهوره فقيه النّدامة الفارغة والحسرة المحرقة والأسف العقيم.
وقرئ خسر بالفتح على الحال، وقرئ خاصر بالضم على الفاعلية، ومثل هذه القراءة التي لا زيادة فيها ولا نقص جائزة إذ لا شيء فيها سوى مد الخاء، وأن المد والقصر والإدغام والفك جائز، والمد قد يستعاض عنه بالفتحة القائمة كما في رسم بعض المصاحف، تدبر.
وهذا المرتد الخامس.